لماذا يتم تهميش خريجي الجغرافيا؟ وكيف نعيد لهذا التخصص مكانته؟

علم الجغرافيا ليس مجرد دراسة للخرائط أو حفظ لأسماء الدول، بل هو أداة لفهم الواقع وتحليل العلاقات المكانية بين الإنسان والبيئة. رغم هذه الأهمية، يعيش تخصص الجغرافيا في العالم العربي أزمة تهميش مزمنة، يتجسد أثرها في انخفاض فرص العمل، تدني نسب التوظيف، وضعف الحضور المؤسسي لخريجي الجغرافيا التخصص.
تشير الأرقام إلى أن أقل من 40٪ من خريجي الجغرافيا في الجامعات العربية يجدون وظائف مرتبطة بتخصصهم، بينما تتنامى الحاجة عالميًا إلى الخبرات الجغرافية، خاصة في ظل التغير المناخي، النمو الحضري السريع، والأزمات البيئية.
أسباب تراجع مكانة خريجي الجغرافيا
1. انفصال المناهج عن سوق العمل
غالبية البرامج الأكاديمية لا تُواكب التطورات التقنية الحديثة. يفتقر كثير من الطلاب إلى المهارات التطبيقية المطلوبة في سوق العمل، مثل استخدام أدوات نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، تحليل الصور الفضائية، أو العمل الميداني. المناهج النظرية تسيطر، والتدريب العملي غائب في أغلب الجامعات.
2. ضعف الوعي المجتمعي بوظائف خريجي الجغرافيا
الجمهور العام، وحتى بعض الأكاديميين، لا يدركون تنوع المجالات التي يمكن لخريج الجغرافيا أن يعمل فيها. من التخطيط العمراني، إلى تحليل البيانات، إلى إدارة الكوارث والموارد، كلها مجالات تعتمد على التحليل المكاني والمعلومات الجغرافية الدقيقة.
3. سياسات التوظيف غير العادلة
كثير من الوظائف في الوزارات والهيئات تُمنح لتخصصات أخرى مثل الهندسة أو الاقتصاد، رغم أن محتواها يتطلب معرفة جغرافية دقيقة. غياب “مسميات وظيفية واضحة” لخريجي الجغرافيا يسهم في تهميشهم إداريًا ومهنيًا.
4. الصورة النمطية المرتبطة بالتخصص
ما زالت الجغرافيا تُقدّم في المدارس والجامعات كمادة نظرية مملة، تُركز على الحفظ بدل التحليل. هذا التصور يضعف مكانة التخصص في أذهان الطلاب وأولياء الأمور، ويؤدي إلى عزوف عام عن اختياره أكاديميًا.
الجغرافيا الحديثة: أدوات وتطبيقات لا غنى عنها
نظم المعلومات الجغرافية (GIS)
أصبح GIS من أهم الأدوات المعتمدة في التخطيط، البيئة، التسويق، الصحة، والأمن. الجغرافيون يمتلكون المعرفة الدقيقة بالتعامل مع هذه الأنظمة وتحليل البيانات المكانية بكفاءة عالية.
التخطيط الحضري والنقل
الجغرافي يحلل توزيع السكان، الخدمات، والموارد، ويسهم في بناء مدن ذكية ومستدامة، عبر أدوات تحليل مكاني دقيقة.
إدارة الكوارث والمخاطر
الجغرافيا تُستخدم لتحديد المناطق الهشة، التنبؤ بالكوارث، وتخطيط الاستجابة السريعة، ما يجعل الجغرافي عنصرًا أساسيًا في فرق إدارة الطوارئ.
كيف نعيد الاعتبار لتخصص خريجي الجغرافيا؟
تحديث التعليم الجغرافي
إدخال مساقات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي المكاني، الجغرافيا الرقمية، وتحليل البيانات الكبيرة.
توفير معامل مجهزة بأحدث التقنيات مثل الطائرات بدون طيار، نظم المحاكاة، الواقع الافتراضي.
تعزيز الجانب التطبيقي، عبر الرحلات الميدانية ومشاريع التخرج العملية.
ربط التخصص بسوق العمل
تطوير “سجل وطني للجغرافيين” يربط خريجي الجغرافيا بأصحاب العمل.
دعم حاضنات أعمال متخصصة في الجغرافيا التطبيقية.
عقد شراكات بين الجامعات والقطاعين العام والخاص.
توعية المجتمع والإعلام
إنتاج برامج توعوية تبرز دور الجغرافيا في الحياة اليومية.
إطلاق حملات إعلامية بعنوان “الجغرافي المحترف” لتغيير الصورة النمطية.
إشراك الجغرافيين في الفعاليات البيئية والتنموية الكبرى.
شاهد ايضا”
- جغرافية عيد الفطر: تأثير الجغرافيا على الاحتفال به حول العالم
- الوديان: تعريفها، أنواعها، تشكيلها، وتوزيعها الجغرافي حول العالم
- الاختلاف الجغرافي والفلكي في تحديد يوم عيد الفطر بين الدول العربية والإسلامية
ماذا تفعل الدول المتقدمة مع خريجي الجغرافيا؟
بريطانيا
تُعد الجغرافيا مادة أساسية في النظام التعليمي البريطاني، ويُوظَّف الجغرافيون في مراكز اتخاذ القرار، تحليل الكوارث، وتخطيط المدن. هناك دعم حكومي لتطوير قدرات خريجي الجغرافيا في نظم المعلومات الجغرافية والتخطيط البيئي.
ألمانيا
تُدمج الجغرافيا في مؤسسات التخطيط العمراني، شركات الطاقة، وإدارات الأزمات. الجامعات الألمانية تدرّس الجغرافيا التطبيقية بمستوى عالٍ، وتخرج متخصصين قادرين على قيادة فرق تطوير.
فرنسا
تعتمد الدولة على الجغرافيين لفهم التفاوتات المجالية وتوجيه السياسات العامة. الجغرافي هناك جزء أساسي من فرق الدراسات الاستراتيجية والتحليل الإقليمي.
دروس مستفادة وتجارب ملهمة لخريجي الجغرافيا
التجربة الماليزية
استثمرت ماليزيا في تطوير تعليم الجغرافيا، ودمجته في خطط التنمية. النتيجة: ارتفاع نسبة توظيف خريجي التخصص إلى 85٪، وظهور شركات ناشئة تعتمد على التحليل الجغرافي في اتخاذ القرار.
تجربة عربية ناجحة
في الأردن، أسس عدد من خريجي الجغرافيا شركة متخصصة في حلول GIS. حققت نجاحًا إقليميًا، وتوفر اليوم خدمات لعدة دول عربية في مجالات التخطيط، النقل، والبيئة.
خطوات عملية لكل فئة
للطلاب
طوّر مهاراتك في GIS، التحليل المكاني، والاستشعار عن بعد.
شارك في مشاريع تطبيقية وبحوث ميدانية.
ابحث عن تدريبات عملية وشهادات احترافية مثل GISP أو Esri.
للأكاديميين
راجع محتوى المقررات وجددها لتواكب سوق العمل.
افتح شراكات مع جهات حكومية وخاصة لتنفيذ بحوث تطبيقية.
شجّع طلابك على العمل الميداني وتحليل الواقع المحلي.
لصنّاع القرار
خصّص وظائف رسمية لحملة الجغرافيا في التخطيط والإحصاء والبيئة.
أدمج التحليل المكاني في السياسات الوطنية.
استثمر في مراكز أبحاث جغرافية لدعم التنمية المستدامة.
خلاصة
الجغرافيا ليست ترفًا معرفيًا، بل أداة تحليل دقيقة لفهم الواقع وصياغة المستقبل. إعادة الاعتبار لهذا التخصص يتطلب تغييرًا على كل المستويات: التعليم، التوظيف، والسياسات العامة. خريجي الجغرافيا لا ينقصهم الكفاءة، بل يحتاجون إلى فرصة عادلة لإثبات أهميتهم في تنمية المجتمعات.
شارك المعرفة
الدكتور / يوسف كامل ابراهيم
نبذة عني مختصرة
استاذ الجغرافيا المشارك بجامعة الأقصى
رئيس قسم الجغرافيا سابقا
رئيس سلطة البيئة
عمل مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي
لي العديد من الكتابات و المؤلفات والكتب والاصدارات العلمية والثقافية
اشارك في المؤتمرات علمية و دولية
تابعني على
مقالات مشابهة
د. يوسف ابراهيم
التخطيط الجغرافي: المفهوم، الأهداف، الأنواع، والأهمية في التنمية المستدامة
د. يوسف ابراهيم
الجغرافيا السياسية: النشأة، التطور، والمفاهيم الأساسية
د. يوسف ابراهيم
علم الجغرافيا : تعريفه، تاريخه، فروعه، ووظائفه في عالمنا الحديث
د. يوسف ابراهيم
كتب ومراجع جغرافية: دليل شامل للباحثين والدارسين